خطبة الجمعة للعلامة السيد علي فضل الله

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي، بما أوصى به أمير المؤمنين(ع) أصحابه، عندما قال لهم: “فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مقالة بحقّ، أو مشورة بعدل. فإنّي لستُ في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلاّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منَّي”.
لقد أراد(ع) من خلال ذلك، أن يعلم أصحابه ويعلمنا الجرأة في انتقاد الحاكم والمسؤول أياً كان الحاكم وأياً كان المسؤول، ولو بلغ أعلى المواقع، سواء أكان الحاكم أو المسؤول ينتمي إلى طرف ديني أو اجتماعي أو سياسي أو أمني، أن لا نجامله ونسكت على أخطائه رغبة بالتقرب إليه أو رهبة منه، وأراد في ذلك للحاكم والمسؤول أن لا يرى نفسه فوق النقد حتى لو كان في الموقع الذي بلغه أمير المؤمنين(ع).
وهذا إن حصل سيجعل الأمة واعية رقيبة، ويقلل ذلك من أخطائهم وهفواتهم وشركاء في الحكم والمسؤولية مع من يديرون أمرهم، وتكون قادرة عندها على مواجهة التحديات.
دخل لبنان في الأيام الماضية في مرحلة جديدة، بدأت بانتخاب رئيس للجمهورية واستكملت بما جرى من تكليف لرئيس وزراء بتشكيل حكومة ينتظر اللبنانيون منها أن تكون على مستوى آمالهم وتطلعاتهم، حكومة كفؤة قادرة على معالجة الأزمات الحادة التي يعانون منها على الصعيد المعيشي والأمني، وتعمل بكل جدية ومسؤولية على إخراج العدو الصهيوني من آخر شبر من الأراضي اللبنانية، ومعالجة التداعيات التي نتجت من العدوان الصهيوني عليه…
لقد كنا نريد للتوافق الذي أدى إلى انتخاب رئيس للجمهورية أن نشهده في تكليف رئيس الحكومة ليكون بداية تسمح للعهد أن يحقق ما وعد به اللبنانيين في خطاب القسم وأن لا يؤدي إلى ما أدى إلى من اعتراض فريق وازن من اللبنانيين من كان له دوره في إتمام الاستحقاق الرئاسي، وفي حماية الوطن وقدم التضحيات الجسام لأجله.
ومن هنا، فإننا ندعو إلى العمل بكل جدية لإزالة كل الهواجس والمخاوف أو الالتباسات التي حصلت من وراء ذلك، لفتح الطريق أمام إنجاز المسار الحكومي وعدم الوقوع في فخ اما يعتبر مساً بالميثاقية والعيش المشترك.
ونحن نرى في الكلام الذي صدر من رئيس الجمهورية والذي عبر فيه عن رفضه لمنطق الإلغاء والعزل لأي طائفة أو مكون من مكونات هذا البلد، وما جاء على لسان رئيس الحكومة المكلف؛ أنه ليس من أهل الإقصاء بل من أهل الوحدة وليس من أهل الاستبعاد بل هو من أهل الشراكة الوطنية، ومن حرص رئيس المجلس النيابي التوصل إلى حل وأنه يريد للبلد أن يمشي، ما يدعو إلى التفاؤل بالوصول إلى صيغة حل تنهي تداعيات ما حصل، وأن التوافق سيحكم هذه المرحلة ويطبع المراحل اللاحقة.
إننا نعيد التأكيد على ما كنا نقوله من أن لا خيار لهذا البلد إلا بالتواصل والتعاون والتكافل بين كل مكوناته، لبناء الوطن وأنه لا يبنى بالغلبة والتهميش والعزل، ومواجهة كل الأزمات في هذه المرحلة وفي المراحل اللاحقة.
ولا بد من الإشارة هنا أن الطائفة الشيعية التي كان لها دورها في بناء هذا الوطن كل الوطن من خلال رجالاتها وعلمائها ومن أبنائها المقيمين والمغتربين، وهي قدمت التضحيات الجسام طوال تاريخها لحساب هذا الوطن ولا تزال، كانت وستكون أمينة على هذا البلد وهي لن تكون عقبة أمام نهوضه واستقراره، وأن يدها كانت دائماً ممدودة إلى كل اللبنانيين لبناء وطن يتساوى فيه كل أبنائه في الحقوق والواجبات، وتريد من الآخرين طوائف ومذاهب ومواقع سياسية أن يمدوا يدهم إليها من موقع الوعي لخلفيات مواقفها التي لم تكن ولن تكون إلا لحساب هذا الوطن وأمنه واستقراره، وإذا كان من هواجس ومخاوف لدى البعض فالحوار وحده هو الكفيل بعلاجها.
ونصل إلى الاعتداءات التي تتواصل في الجنوب والخروقات الإسرائيلية المتواصلة، والتي بتنا نشهدها يومياً في العاصمة بيروت وضواحيها وفي كل المناطق اللبنانية، واستمرار التدمير الممنهج للمباني في القرى التي احتلها والتي وصل إليها، والتي لم يوفر فيها أشجار الزيتون المعمرّة وكل مظهر من مظاهر الحياة فيها…
ونحن في هذا نريد التأكيد على المسؤولين أن يعملوا على تكثيف الضغوط على اللجنة المكلفة بوقف إطلاق النار، بأن تكون أكثر جدية في العمل على تثبيته وعدم انتظار الستين يوماً للقيام بواجبها كما يبدو ذلك.
إن من المؤسف أن لا نسمع أصواتاً ترتفع تجاه ما يجري من اعتداءات إسرائيلية مستمرة، وكأن الذي يحدث لا يمس بسيادة هذا البلد أو بمقدراته أو بمقدرات أبنائه، علماً أن الذي يقوم به العدو الصهيوني لا يمس طائفة أو مذهباً أو موقعاً سياسياً بل يمس الجميع.
وأخيراً نهنئ الشعب الفلسطيني على الإنجاز الذي تحقق له بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار واستعادة أسراه الذي يسمح بإيقاف نزيف الدم والدمار عن أهل غزة، وإن كان العدو لا يزال يراوغ في إقراره، تحقيقاً للمزيد من المكاسب وإظهار نفسه بموقع أنه هو من يملك القرار الأخير فيه…
ونحن نرى أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا الصمود الأسطوري للمقاومة والمساندة العسكرية والسياسية والشعبية التي قدمت تضحيات كبيرة في دعم فلسطين، والأهم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني على هذا الطريق، والصبر العظيم الذي عبر عنه رغم حرب الإبادة، والتدمير الهائل لبنيته التحتية، ما جعل العدو الصهيوني غير قادر على تحقيق ما كان يطمح له من خلال عدوانه بإنهاء مقاومة هذا الشعب وتهجيره، والذي عبر عنه إعلام العدو، بأنه فشل سياسياً وسقط جيشه عسكرياً.

No widgets found. Go to Widget page and add the widget in Offcanvas Sidebar Widget Area.